الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

المشير عبد الغني الجمسي ... نصر أكتوبر مجد وراءه أبطال .. 2






البطل المشير

عبد الغني الجمسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبطال حرب أكتوبر يتكلمون

لعلنا نتذكر أننا كنا نلعق جراحنا منذ حرب يونيو 1967 ، هذه الحرب التي خسرناها لأخطاء سياسية وعسكرية ارتكبناها ، وانتهت باستيلاء إسرائيل على سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان. واتبعت اسرائيل سياسية "فرض الأمر الواقع" على العرب اعتمادا على قوتها العسكرية وعدم قدرة العرب على تحرير اراضيهم بالقوة، وبالتالي يجب أن يرضخوا لإرادتها السياسية. فرضت إسرائيل الامر الواقع في الارض المحتلة بالقوة العسكرية المتفوقة على العرب، الامر الذي قد يخلق الاحساس لدى العرب بالعجز واليأس من جدوى الصراع المسلح. وتحقق لإسرائيل هذا التفوق بمعاونة امريكا التي اصبحت حليفا مضمونا لها بشكل واضح وسافر تؤيدها سياسيا وتدعمها عسكريا واقتصاديا.

وكان الانعكاس الواضح لسياسة القوتين الاعظم ان امريكا كانت تغدق على اسرائيل الأسلحة بالأنواع والكميات وفي الوقيتات التي تضمن لها التفوق العسكري الدائم على الدول العربية مجتمعة. وكان الاتحاد السوفيني يقدم الدعم لمصر وسوريا بالأنواع والكميات وفي التوقيتات التي لا تسمح بسباق التسلح مع إسرائيل أو التفوق العسكري عليها.

فاجأناهم قبل أن يخدعونا
كان على قواتنا المسلحة ان تدخل حرب أكتوبر 1973 في ظروف عسكرية صعبة ومعقدة لهدم "نظرية الامن الاسرائيلي" التي وضعتها اسرائيل لتكون ستارا لتحقيق اهدافها التوسعية وفرض الأمر الواقع على العرب.
كنا سندخل الحرب، بينما العدو له التفوق العسكري، والوضع الطبيعي ان يكون المهاجم متفوقا على المدافع. لذلك كان من الضروري إهدار التفوق العسكري في المرحلة الافتتاحية للحرب، وهي مرحلة الهجوم مع اقتحام قناة السويس.
وكنا سندخل الحرب، ونقدر ان اقتحام قناة السويس بقوات حوالي مائة الف مقاتل يعتبر من اصعب العمليات العسكرية حيث ان اصعب الموانع المائية لا ثالث لهما في العالم هما قناة السويس وقناة بنما.
وكنا سندخل الحرب بينما يستند العدو الى خط محصن على الضفة الشرقية للقناة (خط بارليف)، وله القوات الكافية المدربة في سيناء وكان لابد من نجاح عمليتنا الهجومية واختراق تحصيناته وتدميرها، وبذلك يتم تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي.
وكنا سندخل الحرب ضد عدو لديه جهاز مخابرات اشتهر بكفاءته وتعاونه مع اجهزة المخابرات الأمريكية لمعرفة كل ما يدور في الوطن العربي. فإذا اكتشفت هذه الأجهزة نوايانا الهجومية، فإن إسرائيل ستبادر بتوجيه ضربة وقائية – ضربة إجهاض – تجعل عمليتنا الهجومية اكثر صعوبة وأشد تعقيدا، كما ان إسرائيل ستبادر ايضا بتنبيه الاحتياطي وإرساله للجبهتين المصرية والسورية خلال يومين.
ومن هنا، ولكل هذه الأسباب، كان من الضروري ان نبذل كل جهد ممكن لتحقيق المفاجأة حتى تكون المباراة لنا لأول مرة في الحرب ضد إسرائيل، وحرمان العدو من فترة الانذار اللازمة للتعبئة، وعدم اعطائه فرصة توجيه ضربة وقائية، وضمان نجاح الهجوم والعبور بأقل خسائر ممكنة حيث كنا قدرنا خسائرنا في جبهة قناة السويس باعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والمصابين.

وقد اشترك في وضع خطة الخداع لتحقيق المفاجأة عدد محدود جدا من ضباط هيئة عمليات القوات المسلحة، وكتبت بخط اليد خطة العمليات تماما. واشتملت الخطة على اجراءات واعمال كثيرة متنوعة في مجالات مختلفة بحيث تتكون صورة متكاملة امام العدو ان قواتنا في مصر وسوريا ليس لديها نية الهجوم، بل نعمل لتقوية دفاعاتنا واستعدادنا ضد هجوم إسرائيلي محتمل.
المهندسون يعملون
طبقا لتخطيط العمليات، كان عدد من رجال المهندسين يعبرون ضمن الموجات الأولى للاقتحام في قوارب يحملون اسلحتهم ومعداتهم الفنية.
كانت اهم هذه المعدات مضخات مياه تندفع منها المياه بقوة شديدة تشق الساتر الترابي العالي على الضفة الشرقية للقناة لعمل فتحات (ممرات) فيه تسمح بتشغيل المعدات وإقامة الكباري. وكان على المهندسين ان يستخدموا 350 مضخة مياه في مواجهة الجيشين الثاني والثالث للقيام بهذا العمل.
تمكن هؤلاء الرجال من فتح اكثر من ثلاثين ممرا خلال عدة ساعات منذ بدء القتال، يتهايل من كل ممر (فتحة) 1500 متر مكعب من الرمال. وعندما وصل عدد الممرات التي تم انجاز العمل فيها الي ستين ممرا، كان المهندسون قد قاموا بتجريف 90000 متر مكعب من الرمال. كان هناك إصرار تام من جانبنا على فتح الممرات التي يستتبعها تشغيل المعديات وإقامة الكباري حيث تتدفق عليها القوات.
ومما يستحق التسجيل لرجال المهندسين بالقوات المسلحة أنهم استخدموا مضخات المياه في هذا العمل الهام على ضوء الخبرة التي اكتسبوها من العمل في انشاء السد العالي.
ويقول الجنرال اليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي في مذكراته تعليقا على هذا العمل.
"كانت أخطر الإشارات التي وصلتنا حينئذ، هي التي أفادت أن المصريين بدءاوا في عمل ممرات في السواتر الترابية السميكة باستخدام قوة دفع المياه عن طريق مضخات كانوا يستخدمونها تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والمشاه، كما بدءوا يسقطون معديات ومعدات عبور امام رؤوس الكباري. وفعلا كانت تلك الاشارة هي أخطر الاشارات لانها تعني ان اي تقدير للعمل العسكري الذي تقوم به مصر وسوريا اصبح تقديرا متأخرا".

ومما يذكر لرجال المهندسين ايضا انهم حققوا حتى الساعة العاشرة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر اي بعد ثماني ساعات من بدء القتال فتح ستين ممرا في الساتر الترابي واتمام انشاء ثمانية كباري ثقيلة واربعة كباري خفيفة وبناء وتشغيل ثلاثين معديه. وبذلك نجح عمل عسكري عظيم في الخطوط الامامية بالجبهة تحت تهديد نيران العدو، وتحت ستر نيران قواتنا، وكان ذلك عاملا رئيسيا وحيويا لنجاح العملية الهجومية مع اقتحام قناة السويس.
تحديد يوم الهجوم
في اوائل عام 1973 قمنا في هيئة عمليات القوات المسلحة بعمل دراسة طويلة وعميقة لتحديد يوم الهجوم خلال ذلك العام بحيث يحقق احسن وانسب الظروف لنجاح العملية الهجومية، ويحقق اسوأ الظروف لإسرائيل.
وضعنا هذه الدراسة على ضوء الموقف العسكري، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية والطبيعية لقناة السويس من حيث المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وساعات الظلام وضوء القمر، والأحوال الجوية، وحالة البحرين الأبيض والأحمر، وعوامل اخرى.
ودرسنا كل شهور السنة لاختيار افضل الشهور لاقتحام القناة حيث ان فرق المنسوب بين اعلى مد وادنى جذر هو 80 سنتيمتر في القطاع الشمالي للقناة (الإسماعيلية-بورسعيد) بينما فرق المنسوب في القطاع الجنوبي (الإسماعيلية-السويس) هو متران. كما ان سرعة التيار في القطاع الشمالي هو 18 مترا في الدقيقة، بينما سرعته في القطاع الجنوبي هو 90 مترا في الدقيقة. اما اتجاه التيار فإنه يتغير دوريا كل 6 ساعات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس. كانت كل هذه الظواهر الطبيعية مطلوبا معرفتها لتحديد تأثيرها على وسائل العبور بالقوارب وانشاء المعديات والكباري.
وكان من الضروري ايضا دراسة حالة الأرصاد الجوية المناسبة لعمل القوات الجوية وحالة البحرين الابيض والاحمر لمعرفة انسبها لعمل القوات البحرية.

واشتملت الدراسة ايضا على جميع ايام العطلات الرسمية في اسرائيل بخلاف يوم السبت وهو اجازتهم السنوية، حيث تكون القوات المعادية عادة اقل استعدادا للحرب. وجدنا ان لديهم ثمانية اعياد في السنة منها ثلاثة اعياد في شهر أكتوبر 1973 هي عيد الغفران (يوم كيبور) وعيد المظلات وعيد التوراة. وكان يهمنا في الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على اجراءات التعبئة في اسرائيل التي تعتمد اعتمادا رئيسيا في الحرب على قوات الاحتياطي. وجدنا ان يوم عيد الغفران – يوم كيبور – هو يوم سبت، والاهم من ذلك هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتلفزيون عن البث لانه يعتبر يوم سكون كامل في إسرائيل. أي ان استدعاء قوات الاحتياطي بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، وبالتالي يستخدمون وسائل اخرى تتطلب وقتا اطول لتنفيذ التعبئة.
ثم انتقلنا في الدراسة الى عامل اخر هو "الموقف الداخلي في اسرائيل" فقد كانت تجري انتخابات اتحاد العمال (هستدروت) في سبتمبر، وتجري انتخابات البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) يوم 28 اكتوبر 1973. والمعروف ان الحملة الانتخابية تجذب افراد الشعب لها، علما بأن أغلب الشعب يشكل الجيش الاحتياطي مع تعبئة الدولة اثناء الحرب.
وعن الوقت المناسب للهجوم في الجبهة السورية ، فقد كان لا يجب ان يتأخر بعد شهر أكتوبر 1973 حيث ان حالة الطقس والجو تصبح غير مناسبة نظرا لبدء تساقط الجليد.
ووصلنا من هذه الدراسة المستفيضة في هيئة عمليات القوات المسلحة الى تحديد انسب الشهور خلال عام 1973 للقيام بالعملية الهجومية ، وهي مايو أو اغسطس او سبتمبرظ اكتوبر. وكان افضلها شهر أكتوبر. وحددنا في هذه الدراسة اليوم المناسب للهجوم في كل شهر وقع عليه الاختيار. وكان يوم السبت – عيد الغفران – 6 أكتوبر 1973 (10 رمضان 1393 هـ) هو الذي وقع عليه الاختيار حيث توفرت فيه الشروط الملائمة لاقتحام القناة والهجوم.
سلمت هذه الدراسة بنفسي – مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها – للفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام حينئذ الذي قال لي انه عرضها وناقشها مع الرئيس السادات في برج العرب (غرب الاسكندرية) في اوائل ابريل 1973.
وبعد عودته اعادها لي باليد ونقل لي انبهار واعجاب الرئيس السادات بها.
وعبّر الفريق اول احمد اسماعيل عن شكره لهيئة العمليات لمجهودها في اعداد هذه الوثيقة الهامة. وكتب تعليقه عليها يقول "لقد كان تحديد (يوم الهجوم) عملا علميا على مستوى رفيع. ان هذا العمل سوف يأخذ حقه من التقدير وسوف يدخل التاريخ العلمي للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين.












( عن متنديات _ فى أي بي )









ليست هناك تعليقات: